طلاسم اليمن المغشوش !
من يظن أن اليمن بأحداثه وتعقيداته يشبه نظراءه في بلدان الشرق المنحوس فهو مجرد قارئ أخبار. اليمن مثال يقارب بحاضره بعض خرافات انفلتت من كتب منسية، أو ما تسمعه وانت تصغي لحكاواتي شعبي في ليلة سمر رمضانية.. فتدهشك الحبكات والمفاجئات والتزوير وجمع النقائض.
ففي اليمن الأوصاف لا تشبه الموصوف والمسميات لا تنطبق على مدلولاتها، والحق ليس هو الحق بذاته ولكن هو ما تم تسويقه للناس بأنه حق. وكذلك الصدق والكرم وحتى الأعراف القبيلة، كلها مستبدلة ومغدورة ومتاحة لخدمة المصلحة، ولا توجد قيم مكتملة لم يتم اختراقها في كل فضاءات الجغرافيا والراهن اليمني.
كل شيء تم لَيّ عنقه حتى الدين والوطن والوحدة والثورة والجمهورية والدولة وكذلك التاريخ المفرغ من حقائق جوهرية. تلَفَّت حولك تجد عدم اليقين كابس على الأنحاء والزوايا، أينما ولّيت وجهك لا يقين في أي شيء، حتى أنك لا تكاد تصدق وجهك في المرآة لأنك لم تعد تعلم إن كان هو انعكاسك الحقيقي أم تم تزويره وشُبِّهَ لك!
وهكذا ينسحب ظلال الشك فوق المسميات... فالدولة ليست مثلما سموها دولة، لأنها ليست سوى بُنية تحتية للحروب الصغيرة والكبيرة التي تم/ ويتم التحضير لها بصورة مستمرة، فأصبح جوف الأرض من تحت المدن أقبية وأنفاق وممرات تختزن ترسانات من الأسلحة، وفي بُطُون الجبال مناجم من الصواريخ، وهناك قطعان كثيرة من العساكر المعدمين تنتشر في كل القمم والأودية والقرى والحضر وفي كل شيء ومن حول كل شيء، عقيدتها أهازيج من الشعارات والولاءات والعصبيات. لقد اتضح بعد ٣٠ عام من النفخ أن الجيش تم تصميمه بهدف القصف العشوائي على المدن والقرى وتجهيزه بمهارات الكثافة النارية على التجمعات السكانية وبتقنيات القنص على المارة في الطرقات، وهذه بالطبع السمة القوية لعصر الحداثة في اليمن فقواته المسلحة هي حامية الحميِّات وحارسة البلاء المستفحل في بلد الجنون، "الحكمة المزعومة سابقاً".
لا قبائل احتفظت بالأعراف، فالقبيلي فاقد للشجاعة والأمانة والشهامة ولا يحافظ على "كلمة شرف".. لديه ما يكفي من مهارات تعدد الولاءات، يتبع في كل منعطف هوى "المذلِّ المنعم".. بينما الشيخ معصوم ب"جلباب التقاة" في قصور أنطاكيا الحديثة وحوله مدد من الحرملك العثماني ببركات سلطان الزمان هناك.
لا تجارة مأمونة.. فالتجار اعتبروا البلد مغارة علي بابا ونشاطهم يقتات على مشاريع الدولة الرثة كما أن منتجاتهم من أهم مصادر الحالات النفسية والشيزوفرينيا الاجتماعية.
ونقيس على هذه المتوالية أحجار البنيان اللوغاريتمي المعقد لهذا المجتمع... باختصار لا الأرض الأرض ولا السماء السماء.
والآن يحق لنا أن نتخيل بأن هذا الواقع أنتج جيل مجمّع من قصاصات سيكلوجية متناقضة بملامح مركبة وغير متوازنة، وغرائز نسجتها جينات رسبت منذ عهد الزير سالم دون حركة أو طفرة، وحتى دون أن ترث رطانة الزير الشعرية وشهامته وشجاعته.
في اليمن تسعى الاحزاب والمجموعات بالطرق البشعة المشينة لتحقيق الفضيلة.. فالغاية المحمودة عندهم تبرر الوسيلة الشنعة، والفضيلة العليا تتركز في: عودة الخليفة أو عودة الإمام العسكري من سردابه أو عودة القائد الفذ إبن اليمن البار، وكلها ثالوث الوهم والكذب، تتراكم حولها جماجم المستضعفين ويُباح القتل والتكفير والنهب والظلم والظلام ويبدأ الزمن يعصر زيته كما فعل قبل قرون خلت ليدور "مغمضاً" مُكرَّراً حول نفسه.
لهذا حتى "تنظيم الدولة" و"القاعدة" في اليمن مُنتج مغشوش، فهي إدارات مافيوية تسعى للمال والسيطرة وتنفذ غزوات النهب والسطو وتمتلك شبكات واسعة للتهريب، والأخطر أن بداخلها ولاءات باطنية متضاربة ومتعددة تسوق مشاريعها عبر دماء الأبرياء وتوريط الأدمغة الشابة المغسولة بأحماض فتاكة، وكل أفعالها تتركز في جلب الفوضى إلى الجنوب كمهمة أولى. كلها نبتة بيئة داخلية لا تتسق مع الظاهرة النمطية تماما في عالمها الخارجي ولا تتنفس الا من موروث الغش الضخم المستشري في اليمن والذي اصبح جزء أصيل في ثقافة الإدارة السياسية والنخب المهيمنة، وتأثرت به السلوكيات الفردية والعامة.
والآن يحق لنا أن نسأل ونجيب:
ماذا نتوقع إن سقطت صنعاء؟ الجواب سيذهب "سعد" وياتي "سعيد" وتبقى اليمن مثلما هي "مطلسمة" كحجاب تعتّق في شقوق الدهر !.
احمد عبد اللاه
منقول من موقع صدى عدن
--------------------------------------------------------------------------------
لوكندة المعاشيق والجنوب المحَرر !
كما كان متوقع، لا توجد الخطة "ب" لدى دول التحالف لمواجهة تحديات ما بعد التحرير، "على الأقل حتى الآن"، مثلما لا توجد لدى المقاومة الجنوبية ولا حراكها أي رؤية جامعة في مواجهة التحديات، وبالطبع قادة "الشرعية" هم "الأبعدون" عن هذا الهمّ، فهم انتقاليون في التفكير والأداء. لقد مرَّ من أمامنا نصف عام من العزلة وعدن لا تمتلك ما تحاجج به العالم بأنها انتصرت تماماً، والأنكى أن لا أحد يمتلك بيانات مفصلة عن المليشيات والمجموعات "المسجَّلة خطر" وتصنيفاتها وأماكن تموضعها وخطوط تحركاتها وإمداداتها. لقد ناهز الانتصار شيخوخته والناس يتساءلون عن دمج المقاومة بالجيش حتى أصبح حديثاً وعْرَ المسالك إلى الفهم، فهو يحتوي على مجاز عميق يحتاج مختص رصين يفنّد اللغة الملغزة، لأنه أصلاً لا يوجد "جيش وطني" حقيقي يُدمج به الآخرون!.
من ناحية أخرى القاعدة و دواعشها تتمدد، سواء كانت تتبع "صالح" أو تتبع "الاخوان وأدواتهم الدينية أو العسكرية" أو تتبع "الجنِّي الأزرق"، فهي تقتل وتفجر وتتحكم ولديها عتاد وأفراد وخطط ومهارات كبيرة. وتكاد تكون أكثر أماناً من الشعب ومن الرئيس، حتى أصبحت لوكندة المعاشيق مخبأ وليس قصراً، لولا ظهور الشخصيات بين حين وآخر ببريق يسر الناظرين.
هناك مجموعات مسلحة متعددة الاطياف يكتنفها الغموض "الخارق" تحمل أزاميل لتقطيع جسد الجنوب وتحيل أحلامه إلى رماد ودخان، كما أنها تقول للعالم هذا ما آلت اليه الحرب ونحن لثمارها لقاطفون. كل ذلك يقود الى أُمِّ الأسئلة وأبيها: هل التحرير ينحصر على أن تتحرر من الحوثيين فقط، وبعدها يحلها ألف حلال، أي أنه تحرير مقيد الصفة؟ أم أن للتحرير مفهوم أشمل بمضامينه السياسية والاجتماعية والإنسانية؟ صحيح أن الأمور معقدة جداً وتحتاج إلى زمن لكن لدينا نماذج عربية مخيفة جداً جداً ونحن بصراحة نخاف على الجنوب أكثر من أي مكان آخر في الدنيا، لأننا نرى أداء التحالف والسلطة الشرعية في عدن ومحيطها القريب والبعيد أداءاً يثير الخوف أكثر من أن يحمل على الطمأنينة... ومن العدل أن نقول بأن السياسة الفَطِنة عادة لا تنام على افتراضات عائمة فوق بحر محتدم الموج، ولا تتعامل مع الغموض بصمت المنتظر الخجول الممتن، ذي اليد السفلى، بل أن السياسة هي سبر أغوار الأعماق المخيفة، ومن هنا يجب أن نكشط رخام الخجل ممن دعمونا ونقول لهم ان المشوار الأهم لم يتحقق بعد، مشوارنا ومشواركم. الجنوب لديه ما يكفي من المقاتلين والمقاومين، يحتاجون الى تنظيم وتفعيل وتموضع ودعم منتظم وخطط وشفافية، وقد مرّ من الوقت ما يجعل المتابع يفهم بأنه لا توجد مثابرة ممنهجة وجهد متكامل يوازي تحديات الوضع ومخاطره.
بالطبع هناك ضبابية داكنة حول سياسات دول التحالف ونواياها في الجنوب وهي غير متفقة فيما بينها في أمور كثيرة، لكن ما يجب أن تفعله الآن الى جانب جهودها في مناطق الحرب، هو دعم الجنوب للتخلص من المخاطر التي اتضحت بأنها اكبر من حسابات الجميع في الداخل والخارج، وهذا لا يدخل في سجل العطاءات أو الهبات بل أنه مسئولية، لأن عدن ومعها الجنوب حين لا ترى إسناداً حقيقياً في هذه المرحلة لمكافحة الارهاب ومَن وراءه فإن الحديث عن التحالف العربي في المستقبل يصبح وصفاً لسابقة غير محمودة.
الجنوب قاتل لأجل حريته التي فقدها في عام ٩٠ وساند التحالف من هذا المنطلق (بالنسبة للجنوب لا فرق بين المؤتمر والحوثيين والاصلاح فهم ثالوث تتقاطع أهدافه وتتطابق رؤاه تجاه الجنوب).. وبالرغم أن هناك مجموعات من تيارات "إسلامية" جنوبية قاتلت لأهداف مختلفة إلَّا أن الحاضنة الشعبية في كل الجنوب، حين ظلت تحترق في الظلام تحت القصف العشوائي، كانت جنوبية الهوى والتضحية، ساندت المقاومة بصفتها الجنوبية ولهدف جنوبي محض، ورمت خلف ظهرها كل شيء لتتوحد خلف المقاومة، ولهذا تحقق النصر في الارياف والمدن.
احمد عبد اللاه
نقلا عن صدى عدن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق