بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر الوطني لشعب الجنوب
16 – 18 ديسمبر 2012
مشروع ميثاق الشرف الوطني لشعب الجنوب
تعالى الله القائل : ((وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم )) " النحل : 91 ".
يهدف ميثاق الشرف الوطني الجنوبي إلى الاتفاق على تثبيت المسائل الوطنية الكبرى التي تعد ثوابت وطنية تخص كل أبناء شعب الجنوب بأجياله المتعاقبة , وتحظى باتفاقهم جميعا عليها , بوصفها ثوابت بقاء يتوقف عليها وجودهم , وتقوم عليها وحدتهم الوطنية وتوافقهم السياسي ؛ ويتوخى كذلك بيان المسائل التي يتطلب التعامل معها التوافق الوطني .
ويضع الميثاق الأسس والمسوغات الحقوقية والأخلاقية والسياسية لوحدة شعب الجنوب ووحدة قضيته الوطنية ووحدة هدفه , ومبررات الفعل الشعبي الجنوبي المتجه بثبات صوب تحقيق ذلك الهدف .
أولا. ثوابت الاتفاق الوطني
1- الجنوب شعب وأرض وهوية ووطن ، يشمل أراضي الإقليم السيادي لدولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بحدودها الدولية المعروفة والمعترف بها من قبل العالم كله . وهو وحدة بشرية تاريخية واحدة على كامل امتداده الطبيعي من المهرة شرقا حتى باب المندب غربا والجزر التابعة له . شعب حر مستقل لم يكن قط - ولن يكون - فرعا من أصل أو شطرا من شعب آخر.
2- إن دولة الجنوب القادمة هي ذات الجغرافيا السياسية والطبيعية التي قامت عليها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية, وهي وطن كل مواطني الجنوب حتى 22مايو1990 ؛ وشعب الجنوب هو جزء من الأمة العربية والإسلامية.
3- لشعب الجنوب حق السيادة على كامل إقليمه الجغرافي الذي يشكل وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة ؛ فوحدة إقليمه السيادي تمثل أساس وحدته ووحدة دولته الوطنية , وهي الأساس لاستقلال قراره السيادي وحقه في تقرير المصير .
4- إن وحدة شعب الجنوب ووحدة إقليمه وسيادته عليه عوامل حاسمة في تأمين وجوده وبقاء أجياله ؛ وبدونها يصبح وجوده مهددا بالزوال .
5- إن انتزاع شعب الجنوب الاعتراف الدولي به كشعب , وبحقه في الحرية وتقرير المصير والسيادة , في 30 نوفمبر 1967 , وبهويته الخاصة ودولته كاملة العضوية في مؤسسات الشرعية الدولية والإقليمية ، إنما يمثل شهادة وجود شعب ودولة ذات سيادة .
6- إن حقوق الحرية وتقرير المصير والسيادة - ووعاؤها الجامع : حق الدولة والهوية – تعد حقوقا ثابتة تخص شعب الجنوب بأجياله المتعاقبة عبر التاريخ ، وليست حقوقا للساسة أو للسلطة السياسية . وبالتالي فإن أي تصرف أو إجراء سياسي من شأنه الإضرار بهذه الحقوق أو الانتقاص منها أو إلغاؤها أو التنازل عنها أو عن جزء منها للغير, يعد تصرفا باطلا وإجراء لا شرعية له .
7- إن حقوق الحرية وتقرير المصير و السيادة , إلى جانب وحدة شعب الجنوب الوطنية , تؤلف ثوابت دولته وهويته. وهي بذلك تمثل الشق الاتفاقي غير القابل للاختلاف ؛ فهي محل الاتفاق والتوافق الوطني الجنوبي الشامل. ولكونها ثوابت مغتصبة بفعل التنازل الباطل الذي لم يستفت عليه شعب الجنوب ، ثم بفعل الحرب والاحتلال العسكري لإقليم دولته , فإنها تمثل بمجموعها مضمون قضية الجنوب وجوهرها ؛ وبالاتفاق اليوم على ذلك ، ينشأ التوافق الوطني الجنوبي الرامي إلى استعادتها .
ثانيا. قضايا التوافق وآليات التعامل معها
1- إن الثوابت الجنوبية محل الاتفاق المذكورة أعلاه , تقابلها متغيرات أو وسائل , هي عادة محل اختلاف . و الموقعون على هذا الميثاق يؤمنون بأسبقية الاتفاق المعبر عن إرادة الشعب , على التعدد والاختلاف المعبر عن اجتهادات السياسيين (أطراف التعدد) ؛ وبالتالي فإنهم يقرون ويلتزمون بمرجعية الشعب وإجماعه الوطني التي تتحقق بالاستفتاء أو التوافق الوطني , واعتبار ذلك ملزما لكل أطراف التعدد .
2- يقر الموقعون بأهمية العمل السياسي الجامع بين وحدة الرأي والتعدد , والاتفاق والاختلاف . ولذلك فهو يدار بأدوات هذا الجمع و آلياته المتمثلة بمرجعية الإجماع التي ينتجها الاستفتاء والانتخاب أو بمرجعية التوافق التي ينتجها التشاور ومؤتمرات التوافق الوطني . وبممارسة هذا الفعل الوظيفي للسياسة تكتمل أسس قيام سلطة الشعب وباكتمالها تتحقق شروط وجود الدولة والهوية.
3- يقر الموقعون بحقيقة أن للسياسة وجهين : داخلي يتم التعامل معه بآليات الجمع بين الوحدة والتعدد , وخارجي تغيب عنه أشكال التعدد والاختلاف ولا يحضر فيه سوى الوحدة والاتفاق ؛ ويلتزمون بأن الجنوب واحد في التعامل مع الآخر ( الخارجي).
4- يقر الموقعون على هذه الوثيقة بنوعين من الشرعية السياسية : شرعية الإجماع القائمة على الاستفتاء والانتخاب ، في الأحوال الطبيعية ؛ وشرعية التوافق الوطني التي تحتاجها الشعوب حين تمر بأوضاع استثنائية تغيب فيها الدولة والقانون , كحال الجنوب اليوم . ويجمع الموقعون على حاجة الجنوب إلى تحقيق شرعية سياسية مرحلية تقوم على التوافق الوطني بآليات التمثيل التوافقي لبنائه الوطني بمختلف مكوناته ؛ وذلك لاستعادة دولته. أما النوع الأول من الشرعية ، فلن يحتاجه الجنوب إلا عقب استعادة دولته , لإدارتها وإعادة بنائه ابعد أن يصبح وجودها حقيقة ماثلة .
ثالثا. قيم ومبادئ العمل النضالي والسياسي
1- الولاء الوطني للجنوب فوق كل مصلحة واعتبار . والوحدة والاصطفاف الوطني لكل فئات وشرائح ومكونات شعب الجنوب هو الضمانة الأكيدة لانتصار القضية الجنوبية .
2- عدن حاضرة الجنوب التاريخية وعاصمته التي تجسد وحدة الجنوبيين كافة . وهي بجميع أبنائها وأهاليها ومواطنيها تمثل حالة مدنية وإنسانية رائعة للتعايش والانفتاح والتسامح؛ ويجب الاعتراف بخصوصية عدن , وتكوينها الإثني والثقافي المتنوع ، وإعادة تقديرها واعتبارها .
3- إن وحدة 22مايو 1990 مع الطرف الشمالي ( الجمهورية العربية اليمنية) لم يعد لها وجود , فقد ألغتها جريمة الحرب التي أعلنها ذلك الطرف على الجنوب في27 ابريل 1994 من ميدان السبعين بصنعاء , وأبطل بها اتفاق تلك الوحدة , ومشروع الشراكة بين الدولتين .
4- إن القضية الجنوبية هي قضية شعب وهوية وأرض وثروة , وتمثل حق شعب الجنوب وكرامته ومستقبله. وهي قضية سياسية عادلة بامتياز, وتمتلك كل مقومات الشرعية التاريخية والوطنية والدولية ؛ وأبناء الجنوب جميعا معنيون ومسئولون للوقوف أمام قضيتهم الجنوبية والانتصار لها حتى استعادة دولتهم الوطنية المستقلة.
5- إن الحراك الشعبي السلمي الجنوبي ، بكل أطيافه ومكوناته الاجتماعية والشعبية والسياسية والمدنية, هو حركة وطنية شعبية سلمية , تمثل الحامل السياسي للقضية الجنوبية , وشباب الجنوب هم أصحاب الدور الحيوي الفاعل في مسيرة الحراك النضالية وعمادها .
6- التمسك بالأسلوب السلمي في النضال من أجل الحرية وتقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية المستقلة. ووجوب الرعاية الكاملة لأسر الشهداء والجرحى والمعتقلين, من ثوار النضال السلمي الجنوبي .
7- إن التسامح والتصالح قيمة إنسانية وأخلاقية ووطنية رفيعة للغاية, ويتوجب تجسيد التسامح والتصالح والتضامن الجنوبي سلوكاً وممارسة وثقافة بين أبناء شعب الجنوب بمختلف شرائحهم الاجتماعية والسياسية.
8- التزام الأمانة والمسؤولية والشفافية في العمل الثوري والسياسي الوطني الجنوبي ,ورفض ثقافة الكراهية والإرهاب والتخوين والتكفير, والذاتية والعصبية السياسية والاجتماعية والفكرية . والتأكيد على الحفاظ على العلاقة الإنسانية المتميزة مع أشقائنا من أبناء الجمهورية العربية اليمنية , ونبذ ثقافة الكراهية بين البلدين الجارين الشقيقين .
9- التأكيد على منهج المشاركة في العمل الوطني الجنوبي الواحد , المستوعب للخارطة الاجتماعية والسياسية والتاريخية النوعية لشعب الجنوب , وفي العملية السياسية والتنموية في دولة الجنوب , وتحديدا" الشخصيات الوطنية والاجتماعية من رجال فكر وسياسة , وأعيان وشيوخ وسلاطين وأمراء سابقين ؛ والتأكيد على استيعاب الخصوصيات الاجتماعية والثقافية لمحافظات الجنوب الست والجزر التابعة لها .
10- الإقرار ببناء دولة الجنوب الجديدة على أسس مدنية عصرية حديثة , بحيث تكون دولة نظام وقانون ومؤسسات حقيقية , تتجسد فيها المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية واقعاً؛ دولة تلتزم بالديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة , وحرية التفكير والمعتقد والرأي والرأي الآخر ؛دولة ترفض الإلغاء والإقصاء والتهميش بكل صوره وأشكاله ضد مختلف فئات وشرائح المجتمع , وتكفل الحريات العامة والخاصة وحق الملكية لمواطنيها دون تمييز ؛ دولة الانفتاح والتعددية لاقتصادية ؛ دولة تؤدي واجباتها الوطنية والإنسانية والأخلاقية والمصيرية تجاه شعب الجنوب , وتلتزم بمواثيق وقرارات الشرعية الدولية , وتفي بالتزاماتها الإقليمية والقومية والدولية .
11- الإقرار بتكوين وإدارة الدولة الجنوبية المستقلة تحت إشراف الأمم المتحدة والجامعة العربية ومجلس تعاون دول الخليج العربي من خلال مرحلة انتقالية مدتها سنتان ، وبواسطة جمعية وطنية جنوبية توافقية تمثل المحافظات الست والجزر؛ وهي تختار مجلس رئاسة توافقي من رئيس وخمسة أعضاء يمثلون المحافظات الست , ويتم تكليف ومنح الثقة للحكومة , وإصدار إعلان دستوري مؤقت , وتباشر الجمعية الوطنية بإعداد مشروع دستور الدولة الجنوبية المستقلة الجديدة والاستفتاء عليه من قبل شعب الجنوب خلال فترة أقصاها عام واحد .
12- الإقرار بأن تكون دولة الجنوب الجديدة دولة اتحادية(فيدرالية) بنظام حكم برلماني ؛ تتكون من ست (6) ولايات فيدرالية ,هي : عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة , والجزر التابعة لها . ويكون لكل ولاية برلمان وحكومة محلية , وينظم الدستور العلاقة بين البرلمانات والحكومات المحلية والبرلمان والحكومة الاتحاديين .
13- الإقرار بمعالجة كل النتائج والآثار السلبية الناجمة عن الصراعات السياسية التي شهدها الجنوب سابقا بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة. والشروع بمعالجة الآثار السياسية و الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والإدارية ومظاهر الفساد والإفساد التي ترتبت على فترة الحكم الهمجي لسلطة صنعاء تجاه الجنوب.
14- الحوار قيمة إنسانية حضارية ؛ والحوار الجاد والمسئول هو الأسلوب الأمثل للتوافق وحل التباينات , و النزاعات. ولذلك , يتوجب الوصول إلى صيغة وطنية جنوبية توافقية حول تحديد مشروع خارطة الطريق نحو الحوار والتفاوض مع الطرف الشمالي وتحت رعاية وضمانة إقليمية وعربية ودولية .
15- منح المرأة الجنوبية حقها في التمكين السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي , وفقا للمواثيق والعهود الدولية وبخاصة اتفاقية (السيداو) التي نصت على أن تكون هذه المشاركة بواقع 30% في كل مواقع صنع واتخاذ القرار , مع ضرورة الالتزام بشراكتها القانونية والتاريخية المتصلة بحاضر الجنوب ومستقبله .
16- التأهيل وإعادة التأهيل للشباب وتمكينهم في كل مجالات الحياة العامة , وبوجه خاص توفير فرص العمل والالتحاق بالتعليم الجامعي ورسم السياسات الاستراتيجية بما يهدف إلى إلحاق الشباب بتكنولوجيا العصر الحديث .
17- الإقرار بأن تكون آلية اتخاذ القرارات داخل الهيئات المنبثقة عن المؤتمر الوطني الجنوبي توافقية. وفي حالة تعذر ذلك تكون بالتصويت وبغالبية الثلثين من قوام الهيئات المختلفة.
18- إن الموقعين يقرون بعدم التمسك بالسلطة والتصارع عليها , أو اقتسامها على الأسس المناطقية والشللية , ويلتزمون بتركها للتكنوقراط في المرحلة التأسيسية لبناء الدولة المدنية الحديثة في الجنوب , وعمادها بناء الإنسان الجنوبي .
19- تعتبر نصوص مبادئ ميثاق الشرف الواردة أعلاه نافذة حال التوقيع عليها من قبل أشخاص التمثيل الاجتماعي والشعبي والسياسي والمدني الوطني الجنوبي .
حرر ووقع بمدينة عدن يوم السبت بتاريخ 15/12/2012م الموافق2 / 2 /1434ه
=================================================================
مشروع الرؤية السياسية للمؤتمر الوطني لشعب الجنوب
بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر الوطني لشعب الجنوب
18 ديسمبر 2012 – 16
مشروع الرؤية السياسية للمؤتمر الوطني لشعب الجنوب
أولا : مقدمة
تتضمن ھذه الوثيقة مشروعا للرؤية السياسية لمكونات المشھد السياسي الوطني الجنوبي بشأن قضية شعب الجنوب . فھي وثيقة أنتجھا تراكم جھد جماعي مشترك ومتأنٍ , يھدف إلى التعبير عن مواقف وطموحات شعب الجنوب بأوسع أطيافه .
واليوم ، إذ ينعقد المؤتمر الوطني لشعب الجنوب ، فإننا ننشد إغناء ھذه الوثيقة وإقرارھا , للوصول إلى رؤية سياسية واحدة ، يترتب عليھا إنجاز رؤية وطنية جامعة وآلية عمل سياسي ونضالي مؤسس .
لقد وُ ضعت ھذه الوثيقة انطلاقا من المسؤولية الوطنية تجاه شعب الجنوب وما يواجھه من تحديات ومخاطر تستھدف وجوده ومصيره , كشعب و أرض و ھوية ومستقبل ؛ وتمت صياغتھا استنادا إلى الإيمان بعدالة قضيته وحقه الثابت في تقرير مصيره وتحقيق إرادته الشعبية تأسيسا على حقيقة الإجماع الجنوبي على فشل وبطلان وحدة الإلحاق المعمدة بالدم والاحتلال العسكري للجنوب بحرب 1994 كما إن من الأسس الجوھرية التي تقوم عليھا ھذه الوثيقة وتستھدف تعزيزھا : مبدأ الاعتراف بالشراكة الجنوبية العامة , وقيم التسامح والتصالح والتضامن الجنوبي ,وثقافة الحوار والقبول بالتنوع والاختلاف ؛ والوفاء لتضحيات الشھداء والجرحى
والمعتقلين والملاحقين ، والحرص على القيم والمكتسبات الحيوية التي حققھا شعبنا خلال مساره النضالي الطويل , وأھمھا راھنا ما أنجزه الحراك الشعبي السلمي الجنوبي الذي يمثل بمكوناته المختلفة الحامل السياسي للقضية الجنوبية , والذي يعد بحق الرائد لثورات الربيع العربي , التي تعامل معھا الحراك بقدر بالغ من التعاطف والحصافة .
إن اللحظة التاريخية الفارقة والمصيرية الراھنة تحتم علينا جميعا التوافق والاصطفاف الوطني , والتعاطي معھا بمنتھى الحنكة والمسؤولية ، وبما ينتصر لإرادة شعب الجنوب , ويصون كرامته ويسترد حقوقه , ويحقق أھدافه وتطلعاته المشروعة في الحرية وتقرير المصير , واستعادة دولته المستقلة , ذات السيادة الكاملة .
ثانياً: خلفية تاريخية
حظي الجنوب بمجموعة من العوامل التاريخية المختلفة , من أھمھا أن مشيخاته وسلطناته وإماراته التي تشكل معظمھا خلال قرون عديدة مضت ، كانت في الأساس تجمعات قبائل مختلفة ، لا تجمعھا وحدة النسب المشترك ؛ بقدر ما يجمعھا العيش المشترك والمصلحة المشتركة . وقد رسخ ذلك مجموعة من u1575 القيم المجتمعية
والثقافة المرنة غير القائمة على العصبية ؛ الأمر الذي عمق الھوية الوطنية للجنوب خلال مسيرته التاريخية . وعلى أساس ذلك ، فإن تلك التجمعات كانت - قبل مجيء الاستعمار البريطاني بمئات السنين- ذات كيانات سياسية واجتماعية خاصة , تعبر عن حقيقة وجودھا كنتيجة طبيعية لتفاعل عوامل موضوعية قائمة على حقائق
الجغرافيا والتاريخ والتطور الاجتماعي , وترتكز على مقومات أساسية , ناشئة عن خصوصية ثقافتھا و قيم مجتمعاتھا .
عقب احتلال بريطانيا عدن عام 1839 ، أوكلت إدارتھا إلى إدارة المستعمرات البريطانية في الھند . وبذلك ، أصبحت عدن ومختلف إمارات وسلطنات و مشيخات الجنوب منطقة نفوذ بريطانية خالصة . ولتكريس ذلك عقد البريطانيون مع معظم تلك الكيانات الجنوبية على ساحل عدن وحضرموت معاھدات حماية واتفاقات صداقة وتعاون ، بلغ عددھا - حتى عام 1928 - أكثر من مائتي معاھدة واتفاقية .
وبموجب معاھدات الحماية , تولت الإدارة البريطانية الشؤون الخارجية لكيانات الجنوب ، بينما تمتع معظمھا باستقلالية شبه تامة في إدارة شؤونھا الداخلية ، وتمكنت من إقامة علاقات تعاون اقتصادية وسياسية منظمة فيما بينھا . كما استطاعت أن تبني مجتمعات ، ونظما للحكم تعتمد القوانين والتشريعات الحديثة .
في 1914 , وقعت السلطات البريطانية في الجنوب مع ولاة الدولة العثمانية التي كانت تحكم اليمن , اتفاقية لترسيم الحدود الدولية الشمالية الغربية لمحميتھا الغربية مع اليمن , ملتزمة بحمايتھا إلى جانب الحدود الدولية الشمالية الشرقية لمحميتھا الشرقية .
شھد عام 1959 الإعلان عن تأسيس (اتحاد إمارات الجنوب العربي) الذي ضم حينھا ستا من المحميات الغربية , ثم انضمت إليھا لاحقا سلطنة لحج , والسلطنة الواحدية , والمستعمرة عدن التي كانت تتمتع بحكم ذاتي ؛ بينما لم تنضم للاتحاد سلطنات المحمية الشرقية في حضرموت والمھرة . أقر الاتحاد عملته الموحدة , وحدوده الجمركية ووحدات أمنه الخاصة , وإدارة مدنية لتنظيم شؤون التعليم والمواصلات والبريد والطرق , وأسس عددا من المؤسسات النقابية والاجتماعية , والحزبية , والرياضية والثقافية والصحفية , خاصة في عدن التي بلغت مستوى من التطور الاقتصادي والتجاري والثقافي لم يدنُ منه غيرھا من مدن الجزيرة العربية .
وقد أسھم ذلك في تأكيد خصوصية الجنوب التاريخية بما حظي به من موروث سياسي ونسق ثقافي واجتماعي وإداري مدني ، تميزت به ھويته الوطنية المستقلة ، حتى نيله الاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967 ، الذي أعلنت فيه الدولة الوليدة بعد توحيد أكثر من 22 إمارة وسلطنة ومشيخة , في كيان سياسي وطني واحد , عرف
باسم "جمھورية اليمن الجنوبية الشعبية" التي نالت اعتراف الھيئات الدولية والعربية والاقليمية , وتمتعت بالعضوية القانونية الكاملة , في الجامعة العربية , والأمم المتحدة , والمؤتمر الإسلامي .
ثالثًاً: فشل مشروع الوحدة , وإعلان الحرب على الجنوب
أ- فشل مشروع الوحدة
مثل شعب الجنوب وشعب الشمال , على مر التاريخ ، كيانين اجتماعيين مختلفين , لكل منھما امتداده الجغرافي ومساره التاريخي والثقافي والإداري المستقل عن الآخر . ففي الجنوب ترسخت قيم اجتماعية وثقافية ساعدت على تكوين وعي وعلاقات أقرب إلى المدنية , مھدت السبيل لبناء دولة نظام وقانون ونظام إداري مدني حافظ على مدنية الدولة , رغم شمولية نظامھا السياسي ، خلال عھد الدولة الوطنية . أما الشمال ، فقد ظل رھين واقع تاريخي معقد وعلاقات اجتماعية عصبية تحكمھا تقاليد مجتمع ما قبل الدولة في التاريخ ؛ وھو الأمر الذي ساد حتى في العھد الجمھوري في الشمال .
إن بناء الدولة المدنية الحديثة كان ھو الھدف الاستراتيجي الذي وجد من أجله مشروع دولة الوحدة . ولكن عوضا عن ذلك عمل النظام العسكري القبلي الحاكم في صنعاء على إفشال الوحدة السلمية , والانقلاب على الشراكة ,على نحو تآمري ومخطط له . وبدلا من أن تستفيد دولة الوحدة الجديدة من الإرث المؤسسي والمدني لدولة الجنوب , في بناء دولة مؤسسات حديثة , عمل نظام صنعاء على إلغاء وتخريب مؤسسات الدولة الجنوبية ومقدراتھا المادية والبشرية , وأقام على أنقاضھا , سلطة القبيلة والحرب وسيادة ثقافة لا تعرف سوى لغة الاستبداد والنھب والغزو والاستملاك والعصبية , بدلا من المدنية والقانون. وبعقلية نقيضة لمفھوم الدولة واحترام القانون .
إن اتفاق إعلان دولة الوحدة لم يكن فقط عاطفيا ؛ بل كان ارتجاليا غابت عنه الدراسة والمشورة والبحث . فقد تجاھل المعايير والاعتبارات الواجب توافرھا في مشروع الوحدة بين الدولتين ؛ فضلا عن تغييب إرادة شعب الجنوب . كما أنه قد تجاوز حقائق التاريخ والجغرافيا , وطبيعة الفوارق السياسية والاجتماعية والثقافية والسكانية , بين الدولتين .
إن جوھر فشل مشروع الوحدة بين الجنوب والشمال , لا يرجع فقط إلى تنصل الطرف الشمالي عن الالتزام بمبادئ اتفاق الوحدة , وإصراره على إدارة الدولة على نحو مناف للنظام والقانون , وافتعاله العراقيل و الفوضى والانفلات الأمني , واستخدامه المليشيات القبلية والدينية المتطرفة , للقيام باغتيالات القيادات والكوادر العسكرية والمدنية الجنوبية ؛ لكن أيضاً إلى أن العقلية السائدة في الشمال قد تعاطت مع مفھوم الوحدة باعتبار أن الجنوب (فرع ) من (الأصل) وأن الوحدة مقدسة , و(الوحدة أو الموت), وھو الأمر الذي بدا واضحا في إعلان الفتوى الدينية التكفيرية السيئة الصيت التي أطلقھا نظام صنعاء ضد شعب الجنوب واستباحته أرضا وشعبا وھوية.
ب- إعلان الحرب على الجنوب واحتلاله
كان إعلان نظام الشمال الحرب على الجنوب ، من ميدان السبعين يوم 27 أبريل1994 ، إعلانا نھائيا عن سقوط مشروع دولة الوحدة . فقد كانت الحرب محصلة طبيعية لمخطط تآمري مبيت , وترجمة لثقافة الضم والإلحاق التي لا ترى في الجنوب سوى أرض وثروة .
وقد عمدت منظومة سلطة صنعاء العسكرية القبلية الدينية إلى محاولة تشريع اجتياح الجنوب بإصدار الفتاوى التكفيرية التي أباحته أرضا وإنسانا ومؤسسات , وشرعت احتلاله وإقصاءه من معادلة الشراكة السياسية لدولة الوحدة , وتحويله إلى غنيمة حرب وساحة للنھب والعبث بثرواته وموارده وأراضيه . كما اسرفت في القتل
والقمع والسجن والتنكيل وتدمير مؤسسات دولة الجنوب , والتسريح القسري الجماعي لموظفي القطاع المدني والعسكري الجنوبيين .
وسعت عمليا إلى تغيير الخارطة السكانية للجنوب على نحو يؤسس على الأرض واقعا استيطانيا يستھدف
طمس ھوية الجنوب الثقافية والتاريخية .
لقد تكشفت مرامي وأبعاد ذلك النھج التآمري وتلك الممارسات العنصرية , التي لم تكن وليدة أخطاء عابرة وسلوكيات فردية , وإنما نتاج نھج ثابت , وثقافة متوارثة عملت السلطات المتعاقبة على حكم اليمن (الشمالي) منذ قرون على ترسيخھا في ثقافة مجتمع الشمال , وتكريس تلك العقلية التي لا ترى في الجنوب إلا أرضا
وثروة وفرعا من أصل .
تجلى ذلك بغير مواربة وعلى نحو ھمجي عقب احتلال الجنوب عسكريا في 1994 /7/7 مباشرة ببدء العمل على طمس ھويته ومرجعياته ، وتحريف رموزه ومعالمه الأثرية والتاريخية .
أمام ھذا الواقع قام شعب الجنوب بالنھوض لمقاومة الاحتلال المفروض باسم الوحدة "المعمدة بالدم" . ولقد اتخذت مقاومة شعب الجنوب منذ اليوم الأول لانتھاء الحرب أشكالا ووسائل سلمية متعددة عبرت جميعھا عن رفض الجنوبيين لسياسات الإقصاء والقمع وفرض الأمر الواقع بالقوة التي مارستھا سلطة الحرب منذ احتلال
1994 حتى انطلاق الحراك الشعبي السلمي الجنوبي من عدن ، /7/ الجنوب في 77 1994 , كقيمة إنسانية ونضالية , تجسد إرادة شعبية جنوبية رافضة لكل /7/ في 7الممارسات الاحتلالية , ومؤمنه بحقوق شعب الجنوب وتطلعاته المشروعة .
5
ولقد كان لجمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين الجنوبيين الدور الريادي الفاعل الذي لا يمكن إغفاله في انطلاق الحراك الشعبي السلمي , والمقاومة الشعبية الجنوبية في كل مناطق ومدن الجنوب ؛ واستنھاض إرادة الجماھير للإسھام الفاعل في الحراك الشعبي المبارك الذي كرسه شباب الجنوب ثورة سلمية عارمة أصبحت بھا المسيرات والمظاھرات والاحتجاجات الشعبية فعلا نضاليا ميدانيا يوميا يشمل كامل التراب الوطني للجنوب .
رابعا: القضية الجنوبية , وانطلاق الحراك الشعبي السلمي الجنوبي
أ- ظھور القضية الجنوبية
نشأت القضية الجنوبية تعبيرا عن إرادة شعب الجنوب الذي ينشد الحرية ويرفض الطغيان والإقصاء ومصادرة حقوقه المشروعة .
إن جوھر القضية الجنوبية ومضمونھا ، كقضية حقوقية وسياسية بامتياز , يتحدد بكونھا قضية شعب لا قضية نخب أو أحزاب فقط ؛ وھذا الشعب ھو المعني بھا وصاحب الكلمة الأخيرة والقرار الفصل فيھا . وھو اليوم أشد عزما وتصميما على النضال السلمي المدني حتى تحقيق أھدافه المتمثلة في الحرية وتقرير المصير واستعادة الدولة المستقلة كاملة السيادة .
إن الجنوب طرف وشريك أساسي , في توقيع اتفاقية مشروع دولة الوحدة بين "جمھورية اليمن الديمقراطية الشعبية " كطرف ضامن يمثل حقوق ومصالح شعب الجنوب , "والجمھورية العربية اليمنية" كطرف ضامن يمثل حقوق ومصالح شعب الشمال , وفي واقع الأمر أن الطرف الشمالي انقلب على اتفاق الشراكة بين
الدولتين , وبإعلانه الحرب على الجنوب , وبإقصاء الجنوب من معادلة الشراكة السياسية واستباحته بالقوة العسكرية , يكون ذلك الطرف قد قضى على مشروع الوحدة السلمية الطوعية .
لقد عبر شعب الجنوب عن رفضه لوحدة الحرب , التي قاومھا وأعلن فك الارتباط عن مشروع دولة الوحدة مع الجمھورية العربية اليمنية , إلا إن نتائج الحرب وفرض الوحدة بالقوة أجبرت الجنوب على البقاء تحت الاحتلال حتى انطلاق
الحراك الشعبي السلمي الجنوبي .
ب : انطلاق الحراك الشعبي السلمي
لا يمكن الحديث عن القضية الجنوبية دون الحديث عن الحراك الشعبي السلمي الجنوبي بمكوناته السياسية والاجتماعية والمدنية u1575 الجنوبية التي تلتزم بأھداف شعب الجنوب وإرادته وتطلعاته . فقد مثل الحراك القيمة النضالية والحضارية المعبرة عن إرادة ھذا الشعب ، وأحدث نقلة نوعية في مسار التاريخ النضالي المقاوم
لشعب الجنوب في مواجھة التنكيل والقمع لإخماد ثورته الشعبية .
6
إن الھدف الاستراتيجي للحراك الشعبي السلمي الجنوبي يتحدد في الانتصار لإرادة شعب الجنوب المتمثلة في الحرية وحق تقرير المصير , واستعادة الدولة المستقلة ؛ وفي إزالة الظلم والعدوان الواقع عليه وكل ما لحق به من أضرار مادية ومعنوية .
وبرغم ما تحقق من مكاسب على صعيد الاعتراف بالقضية الجنوبية وما أظھرته جماھير الحراك السلمي من قدرة وثبات ميداني أكسبه ثقة شعب الجنوب كله , فإن الموضوعية تقتضي - في ھذه المرحلة الخطرة التي يمر بھا شعبنا - أن تنصب
جھود كل قوى ومكونات وفعاليات المجتمع الجنوبي , بمختلف فئاتھا وتوجھاتھا السياسية والاجتماعية والمدنية ، ووجاھات وشخصيات اجتماعية ورجال دين ومال وأعمال , وأعيان ومشايخ وسلاطين و أمراء سابقين , ورجال فكر وسياسة ومثقفين وأكاديميين وقطاع المرأة والشباب , للعمل على إيجاد مؤسسة سياسية وطنية جنوبية جامعة وفاعلة , قادرة على إدارة وتوجيه مسيرة العمل النضالي والسياسي للقضية الجنوبية .
خامسا : المؤتمر الوطني لشعب الجنوب
إن المشھد العام الراھن للمسار الثوري والسياسي لنضال شعب الجنوب وحراكه السلمي يبرھن بوضوح على أن القضية الجنوبية بكل أبعادھا ، التاريخية والإنسانية والموضوعية , تقتضي إنتاج مشروع سياسي وطني جنوبي ناضج يستطيع أن يتعاطى مع كل تحديات المرحلة وتداعياتھا واستحقاقاتھا اللاحقة , وتأمين عناصر انتصارھا . فإن من الأھمية الحفاظ على اصطفاف وطني جنوبي واحد وإرادة شعبية وسياسية جامعة وموحدة , باعتبار ذلك شرط اً ضروري اً وأساسي اً لضمان
تحقيق أھداف شعبنا المشروعة .
أ- مبادئ وأھداف المؤتمر الوطني لشعب الجنوب
تقتضي الضرورة أن يتجسد ھذا المؤتمر الوطني لشعب الجنوب كمشروع مؤسسة نضالية جنوبية جامعة تعتمد العمل التنظيمي المؤسسي الذي يرفض ثقافة العنف والعنصرية والتطرف , وترصد انتھاكات سلطة صنعاء بحق الجنوب شعبا وھوية وأرضا وثروة , وفقا لآلية يتفق عليھا , وعلى أساس عدد من المبادئ والأھداف ؛
أھمھا :
ا - اعتبار القضية الجنوبية قضية شعب ودولة وھوية ، والحراك الشعبي السلمي الجنوبي بمكوناته الاجتماعية والسياسية والمدنية تعبيرا سياسيا u1608 واضحا لھا .
-2 التزام النضال السلمي المدني - بمختلف أشكاله وأساليبه - نھجا وثقافة .
-3 تأصيل مفاھيم القضية الجنوبية بأبعادھا كافة , وتعزيز الوعي الوطني الجنوبي بما يبقيھا حية أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي , عبر اتخاذ الوسائل الممكنة والفاعلة لذلك , من خلال إيجاد منظومة إعلامية حديثة .
7
-4 تعزيز الاندماج الاجتماعي ، وترسيخ ثقافة التسامح والتصالح والتضامن الجنوبي , وتعميق الاصطفاف الوطني لشعب الجنوب .
5 - يناضل المؤتمر الوطني لشعب الجنوب بمبدئية ومنھجية فاعلة لتحقيق أھداف شعب الجنوب , المتمثلة في الحرية وتقرير المصير واستعادة دولته المستقلة ؛ ويعتمد الحوار وسيلة مثلى ووحيدة لإزالة التباينات , وحل مختلف إشكاليات العمل السياسي والتنظيمي.
ب - الھيئات الأساسية للمؤتمر الوطني لشعب الجنوب
يتكون المؤتمر الوطني لشعب الجنوب على النحو التالي:
-1 المجلس الوطني : ويمثل الخارطة الوطنية الجنوبية , بمحافظاتھا الست ، مع منح كل من عدن وحضرموت زيادة في التمثيل العددي . ويتألف قوام المجلس من
351 ) عضوا , يتم اختيارھم بصورة توافقية . )
-2 اللجنة التنفيذية : ويتم اختيارھا بصورة توافقية تمثل المحافظات الست وتتكون من ( 101 ) عضو .
-3 ھيئة الرئاسة: ويتم تشكيلھا من أعضاء اللجنة التنفيذية , بصورة توافقية وتمثل محافظات الجنوب الست , وتتكون من ( 15 ) عضوا ( رئيس الھيئة وخمسة نواب يمثلون المحافظات الست , والبقية أعضاء) .
سادسا: الحرية وحق تقرير المصير واستعادة الدولة المستقلة في القانون الدولي
يعتبر حق تقرير المصير مبدأ قانونيا ملزما تقره المواثيق والقوانين الدولية . ذلك ما يؤكده العھد الدولي لعام 1955 الذي ينص على أن " لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير " . واستنادا إلى ھذا المبدأ فإن لكل شعب الحق في الحرية وإقامة كيانه السياسي بحسب وثائق الأمم المتحدة وقراراتھا التي تقرنه بالحرية والاستقلال . ولا
يشتمل حق تقرير المصير على الحقوق السياسية فحسب ؛ بل الحقوق الاقتصادية كذلك . فھو ينطوي على الحق في الاستقلال السياسي , والسيادة على مصادر
الثروات الطبيعية والاقتصادية في آن واحد . ويستند ھذا الحق إلى سلسلة من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة , أبرزھا القرار رقم 1415 الصادر في14 ديسمبر 1960 الذي بموجبه حصل شعب الجنوب على تقرير مصيره واستقلاله. في 30 نوفمبر 1967
ومن ھذا المنطلق فإن حق شعب دولة الجنوب في تقرير u1605 مصيره , يعتبر حقا سياسيا وقانونيا ملزما . فبالاستناد إلى مبدأ حق تقرير المصير انحل عقد دول كثيرة كالاتحاد السوفيتي والاتحاد اليوغسلافي وتشيكوسلوفاكيا وباكستان وبنجلاديش وتيمور الشرقية وإريتريا وجنوب السودان .
8
إن حقوق الأفراد والجماعات ، وحقوق الإنسان عامة ، ھي العنصر الأقوى تأثيرا اليوم على الساحة الدولية في الحكم على طبيعة علاقة أنظمة الدول بمواطنيھا . ففي حال إضرارھا بھم , أو بجماعات منھم والتسبب لھم بالأذى ، قتلا, أو قمعا, أو ملاحقة, أو تعذيبا ، تفقد الدولة شرعية تمثيلھم ويصبحون في حل من الولاء لھا .
ويغدو من الملح تدخل القانون الدولي لحمايتھم . وفي حالة شعب الجنوب ، فإن الأمر يتجاوز الإضرار والأذى المشار إليه من قتل وتنكيل مفرط وطمس للھوية بحق شعب الجنوب إلى ما ھو أنكى وأشد بحيث تتحدد خصوصية القضية الجنوبية التي يحاول البعض تفصيل وضعھا في القانون الدولي على مقاس وحدة الضم والإلحاق ورغبات و مصالح القوى العسكرية والقبلية الشمالية المھيمنة على الجنوب , منذ احتلاله بالقوة العسكرية في 1994 . وھي خصوصية تستند إلى عدد من الحقائق التي لا يمكن تجاوزھا أو إغفالھا ؛ أھمھا :
1 – إن الجنوب ، شعبا وأرضا ، وطن له كيانه الوجودي الموحد بشريا وجغرافيا ، ومساحته المحددة ، وامتداده التاريخي وموروثه الاجتماعي والثقافي والسياسي والإداري الذي يمثل شخصيته وھويته الجنوبية المستقلة.
2 – إن الجنوب دولة ذات صفة قانونية دولية نالت اعتراف العالم في 1967 وحقق حضورھا الرسمي المستقل في الھيئات الدولية . وقد دخلت طرفا وشريكا أساسيا في التوقيع على اتفاقية دولة الوحدة المعلنة في 22 مايو 1990 , بين جمھورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمھورية العربية اليمنية , وكل منھما يمثل شخصية
اعتبارية وقانونية ضامنة , تمثل حقوق ومصالح كل طرف فيه .
3 – إن إعلان دولة الشمال الحرب على الجنوب قد أبطل اتفاق الوحدة السلمية , ووضع الجنوب منذ 7 يوليو 1994 تحت سلطة الاحتلال بالقوة والجبروت الحربي للجمھورية العربية اليمنية , التي أعيد إنتاجھا وفرض قيمھا وتقاليدھا السياسية والتقليدية والقبلية على نحو مخالف لاتفاق الوحدة بين الطرفين وللعھود والاتفاقات
التالية له . وكل ذلك يمثل خرقا واضحا للمبدأ الدولي الذي يؤكد على وجوب الالتزام بتنفيذ العھود والالتزامات التي أخذھا كل طرف على نفسه.
4 – إن إعلان تلك الحرب على الجنوب قد مثل انتھاكا للقانون الدولي , الأمر الذي أصدر بسببه مجلس الأمن قراريه الدوليين المتصلين بالحرب تحت البند السادس . وذلك يعطي الحق للطرف الجنوبي في إعادة عرض النزاع على مجلس الأمن مرة أخرى نظرا لعدم انصياع النظام اليمني لقراريه - القائمين لدى الشرعية الدولية - 924 و 931 الصادرين أثناء الحرب , والداعيين للطرفين إلى وقف فوري لإطلاق النار والجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض لحل النزاع سلميا .
وفي ضوء القانون الدولي فيما يتعلق بالحرب ، فإن من المھم أن يفكر الطرف الجنوبي برفع دعوى إلى محكمة الجنايات الدولية وإلى المحاكم ومنظمات حقوق الإنسان الدولية ومحاكم الدول التي تقضي قوانينھا بمحاكمة المجرمين ضد الإنسانية , فھذه الجرائم لا تسقط بالتقادم . وقد كانت الحرب على الجنوب التي
9
سميت حرب الردة والانفصال مشفوعة بفتوى تكفير شعب الجنوب وإباحة القتل الجماعي بحقه .
5– إن حق شعب الجنوب في تقرير مصيره يقوم على إرادة شعبية واحدة تنتظم جميع فئاته وشرائحه . وھو يستمد مطالبه المشروعة من روح القانون الدولي الذي يؤكد عدم شرعية أي نظام يمارس سياسة التمييز في التعامل مع مواطنيه أو يتسبب بمعاناتھم والإضرار بھم ، ومن اتفاقية فيينا لعام 1969 الخاصة بالمعاھدات
وإنھائھا , والتي تنص على أنه في حالة الإخلال الجوھري بأحكام معاھدة ثنائية من جانب أحد طرفيھا , يخول للطرف الآخر الذي تأثر بصورة خاصة من ھذا الإخلال التمسك به كأساس لإنھاء المعاھدة وإيقاف العمل بھا كليا أو جزئيا .
سابعا: مشروع دولة الجنوب المستقلة
تقوم الدولة المستقلة في الجنوب على قيم الحق والحرية ، وتتأسس بنظام جديد وعلى رؤى جديدة تختلف عن دولة ما قبل 1967 , بقدر اختلافھا عن دولة ما قبل 1990 . وتستند إلى أسس ومبادئ وطنية جنوبية , وفكر إنساني متحرر, يضع الولاء الوطني للجنوب فوق كل مصلحة أو اعتبار . وھي دولة موحدة تبنى على
تعميق التسامح والمصالحة الوطنية ؛ دولة ذات مشروع وطني ديمقراطي حداثي وشامل لبناء الدولة الجنوبية المستقلة , دولة النظام والقانون والمؤسسات الدستورية الحقيقية , التي تفي بالتزاماتھا الكاملة نحو مواطنيھا ومصالحھم وترعى الأمن والاستقرار والمصالح الإقليمية والدولية . وتتمثل خطوات قيامھا في ما يأتي :
أ : الإجراءات الأساسية لاستعادة الدولة الجنوبية المستقلة
-1 تشكيل جمعية وطنية مؤقتة , ولفترة انتقالية محددة مدتھا سنتان فقط ؛ ويتم ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة والجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي . وتتكون الجمعية الوطنية المؤقتة من ( 351 ) عضوا يمثلون
الخارطة السياسية والاجتماعية لدولة الجنوب بمحافظاتھا الست والجزر التابعة لھا.
-2 تقوم الجمعية الوطنية عن طريق التوافق باختيار مجلس رئاسة , من رئيس و( 5 ) أعضاء فقط يمثلون محافظات الجنوب الست .
-3 يشكل مجلس الرئاسة الحكومة لدولة الجنوب المستقلة , ويراعي في أعضائھا التمثيل الوطني والتكنوقراط والنزاھة ؛ وتمنح الجمعية الوطنية رئيس الحكومة وأعضاءھا الثقة .
-4 تعمل الجمعية الوطنية على إصدار إعلان دستوري مؤقت , لتسيير المرحلة الانتقالية ومتطلباتھا المختلفة , العاجلة والدقيقة .
-5 تباشر الجمعية الوطنية بمھمة إعداد ومناقشة مشروع دستور جديد لدولة الجنوب الجديدة , وإجراء الاستفتاء عليه من قبل شعب الجنوب خلال فترة أقصاھا عام واحد فقط .
10
-6 استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الشقيقة والصديقة , واستعادة موقع دولة الجنوب المستقلة في مؤسسات الشرعية الدولية , والھيئات السياسيةوالاقتصادية الدولية والعربية والإقليمية .
-7 اعتماد خطة البناء الوطني الحديث والتشكيل النوعي المؤسسي للقوات المسلحة والأمن , على ألا يسمح بأية ھيمنة حزبية أو عائلية أو قبلية أو مناطقية أو مذھبية عليھما .
-8 إعادة التشكيل الوطني والنوعي لجھاز الرقابة والمحاسبة .
-9 معالجة الآثار المختلفة للمراحل السياسية التي شھدھا الجنوب بكل أبعادھا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية , بما في ذلك الآثار التي أحدثتھا سياسات التخريب والإفساد المتعمد لنظام صنعاء .
ب : الأسس العامة لدولة الجنوب الجديدة
يتم بناء دولة الجنوب الجديدة وإعداد دستورھا وفق عدد من الأسس العامة
أھمھا :
-1 يحدد مشروع الدستور الجديد اسم الدولة , وحدودھا الطبيعية والسيادية ,وعاصمتھا السياسية , وعلمھا , ونشيدھا الوطني , وشعارھا , وعملتھا .
-2 تكون الدولة الجنوبية الجديدة اتحادية (فيدرالية) ، بنظام سياسي برلماني .
-3 تقسم الدولة الجنوبية الجديدة إلى ( 6 ) ولايات فيدرالية وھي : عدن , لحج, أبين , شبوة , حضرموت , المھرة . ويكون لكل ولاية برلمانھا وحكومتھا المحلية , وينظم الدستور العلاقة بين البرلمان والحكومة
الاتحادية وبرلمانات وحكومات الولايات .
-4 استقلالية القضاء ؛ والفصل بين السلطات الثلاث : التشريعية والقضائية والتنفيذية .
-5 الالتزام والعمل بالمواثيق الدولية المتعلقة بالحريات u1575 العامة والخاصة والمدنية وحقوق الإنسان ؛ وتأصيل قيم الحق والحرية والحداثة .
-6 الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة , وضمانھا بضوابط دستورية حاسمة ودقيقة .
% -7 تمكين المرأة من المشاركة الحقيقية في الشأن العام وبما لا يقل عن 30 في مواقع صنع القرار واتخاذه . وتمكين الشباب في مختلف مجالات الحياة العامة ، ومنحه فرص التأھيل والتعليم العالي والعمل والقيادة .
-8 رفض ثقافة التطرف والإرھاب , والعصبية والعنصرية , والإقصاء والتھميش ، ونبذ العنف بكل صوره .
-9 الالتزام بمواثيق الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وھيئة الأمم المتحدة وقراراتھا .
-10 الاحترام والتعاون مع مختلف دول العالم , وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير , وتعزيز مبدأ حسن الجوار مع دول المنطقة .
11
-11 التعددية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار في مشاريع التنمية العامة لدولة الجنوب الجديدة , واعتبار القطاع الخاص المحلي والخارجي إحدى الركائز الرئيسة لاقتصادھا الوطني .
-12 توفير الخدمات العامة والحديثة لمواطني دولة الجنوب جميعا ، والتأمين الصحي الشامل ؛ وضمان استراتيجية تربوية خلاقة تؤكد إلزامية التعليم ومجانيته, وتستھدف النھوض بالتعليم العام والجامعي وإصلاح ما أفسد فيه عمدا منذ 1990 , وتعمل على محو الأمية .
-13 القوات المسلحة مؤسسة وطنية منوط بھا مسؤولية الدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره . ولذلك يُحظر الانتماء السياسي على المنتسبين إليھا , بموجب ضوابط دستورية تضمن عدم تمكين أي حزب أو جماعة أو
منطقة أو قبيلة من السيطرة على ھذه المؤسسة السيادية لشعب الجنوب ودولته الجديدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق