محمد الزعوري
هاهي ثورة شعب الجنوب تسير بخطى واثقة نحو هدفها المنشود ، ضريبة
بقائها واستمرار ألقها دماء زكية طاهرة أريقت
في محراب الحرية والكرامة لآلاف الشهداء والجرحى الأبطال ، ثورة سلمية ألهمت الشعوب وألقت بحجر الفعل
التحرري في المياه العربية الراكدة منذ عقود خلت ، فحركت طوفان ثورات الربيع
العربي ليقتلع في طريقه هياكل البغي والتسلط وينتصر للذات المحبطة والمقموعة في أروع
مواقع النزال السلمي أدواتها الأمل وإرادة التحدي في مواجهة آلة القتل والدمار
لتنتصر الإرادة ويقهر المستحيل ، إنها ثورة تخلقت من وقع المأساة والألم .. قهرت
اليأس لترسم خارطة طريق للعبور إلى الضفة الآمنة من النهر، وقد يقول قائل ثورة
ألهمت الثورات .. ولكنها ما زالت تقاوم وتصارع ولم تحقق بغيتها بعد .. نقول نعم !
لان ثورة الجنوب تحررية لمواجهة احتلال غاشم احتل الأرض بحرب طاحنة أهلكت الحرث
والنسل وفق فتوى متحللة من قيم الدين والأخلاق الإنسانية حللت الدماء والأعراض
والممتلكات في وطني الجنوب المحتل ، ثورة من أجل الوطن والهوية والتاريخ والتراث ،
ثورة ضد التطهير والاجتثاث ، ثورة ضد الاستيطان والتهجير ، ثورة من اجل الحياة
والمستقبل . إن شعب الجنوب الذي وقع فريسة لحلمه القومي والإسلامي وضحية لتسويق
الوهم التاريخي وثقافة القدر والمصير المستوردة من خارج البنية الاجتماعية
المتغايرة عبر التاريخ ، إنها لحظة تعسف قهرت انسياب الأحداث الإنسانية وتنافر
الهويات الأزلية ، فكان إن قوما جئناهم بالفل والورود والأماني فبادلونا بالغدر
والقتل والاحتلال ، لقد وقعنا في ساحة اللئام قوم لا عهد لهم ولا ذمة ، فذبحونا من الوريد إلى الوريد ، وغزوا أرضنا ، وحاولوا
اقتلاعنا ، فصرنا غرباء فوق ارض تشكت أجسادنا من ترابها ، نعم أيها القوم نتطلع اليوم للفكاك من هذا الشرك الذي نصبه
البلهاء ، فلسنا دعاة سلطة ولكنا دعاة وطن فشتان بين هذا وذاك .
إن ثورتنا رغم كل الصعاب والعقبات التي تواجهها مازالت تواصل مسيرتها
الظافرة .. وما زالت فعلا ملهمة الشعوب المقهورة ، المسلوبة هويتها وتراثها .. نعم
مازالت ثورة شعب الجنوب تقاوم بطش الطغاة مهما تلونوا ومهما غيروا أقنعتهم ، إنها
تجسد وحدة المصير في كامل التراب الوطني للجنوب المحتل من باب المندب غربا إلى
حدود عمان شرقا ، وهو ما تجلى بملحمة الرفض الانتخابي للمحتل اليمني والذي قلب
الطاولة وغير طرفي المعادلة ، ومزق الأسلاك الشائكة التي نصبتها قوى الهيمنة الإقليمية
والدولية في طريق مسيرتها التحررية ، وهي إن استطاعت - أي هذه القوى - بفعل ما
تملكه من إمكانات من تأخير لحظة انتصارها ، إلا إنها عاجزة ولو تكالبت معها قوى
الدنيا كلها من أن تكبح جِماح عنفوانها المتسارع ، أو تسد الطريق أمام تدفق موجها
الهادر لاقتلاع أوكار البغي والاحتلال .
إن لحظات تاريخية فارقة في حياة الشعوب الثائرة تتجلى شروطها الذاتية
والموضوعية في وقع وتناغم الأحداث المتلاحقة والمتداخلة ، عندها فقط تتجلى
العبقرية في ضبط إيقاع الفعل التحرري واستلهام اللحظة التاريخية الفارقة لاقتناص
حالة التحولات على مستوى الوعي والواقع وذلك يتأتى بالوعي الكامل والدقيق بتحول
مجرى الأحداث وقوانين التغير الاجتماعي لتوظيفها في الوقت المناسب لتحقيق الانجاز .
وهنا وحسب قراءتي المتواضعة للإحداث المحتدمة في ساحة الجنوب اليوم ،
يمكن القول إنها قد اقتربت من مشارف الانجاز المأمول وهذا يتطلب من النخب السياسية
الجنوبية استلهام هذه اللحظة الفارقة واقتناصها وتوجيه الفعل التحرري وفق سياقها
الطبيعي وقوانين سير الأحداث ، وتوظيفها في صالح انتصار ثورة شعب الجنوب التحررية
، وبدون ذلك فان الطاقة ستتبدد ، فمهما بلغت قوتها فلابد أن تضعف وتتباطأ وحتما لا
بد لها من سكون وتلك هي قوانين الحركة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق