البحث في هذه المدونة

الأربعاء، 13 فبراير 2013

قبل أن نحمل البندقية ..!!

عبده النقيب

الأربعاء 13 فبراير 2013 08:11 صباحاً
أتذكر في أيام النظام الشمولي في الجنوب العربي "اليمن الديمقراطي" كانت هناك قناعات شبه سائدة بين الناس بان الجنوب شعب مسيّس يعج بالدكاترة والفلاسفة والسياسيين والمثقفين حتى كاد ان يفيض بهم المجتمع. قالوا ان السائل الذي استجدى مقدم برنامج السياسة بين السائل والمجيب في إذاعة البي بي سي قال في سؤاله " اريد ان اتعلم السياسية فماذا أفعل" فرد عليه مقدم البرنامج ما عليك إلا ان تذهب إلى اليمن الجنوبي.
 
وترسخت القناعات عند الكثيرين من المثقفين وانصافهم ان الجنوبيين هم الأكثر ثقافة ووعي في محيطهم الرجعي المتخلف من أدني "ضوحة" في اليمن حتى اقصى رملة في شمال شبه الجزيرة. كان الضجيج لدينا يصم الآذان. وهو وضع يعكس حقيقة ان المجتمعات التي تقل فيها التنمية يكثر فيها الضجيج والفعاليات السياسية، بمعنى آخر تصبح بلدا وسوقا رائجا للشعارات.
 
كنا نعيش حالة اغتراب سياسي، حالة تغييب للوعي، حالة تزييف للوعي تجهيل بالواقع الذي نعيش فيه بشكل فاضح حتى صرنا لا نعرفه ولا يعرفنا وهو ما قادنا إلى مانحنا فيه اليوم من هزيمة تعد الأخطر التي يمكن ان يمنى بها أي شعب، هزيمة الجهل بهويته وذاته.
 
انتشرت وسادت الكتب الفلسفية والسياسية والأدبية للماركسية وماعداها كان محرما يعرض من يحاول حتى الاطلاع عليها للوقوع في دائرة الاشتباه أما إذا تجرأ ونطق بشيء من محتوياتها فقد اتى شيئا لا يمكن التسامح معه. ليس خطأً ان تقرأ الناس الأدبيات الماركسية ولكن الخطأ ان تصبح عبارة عن واجب يقتضي معه الامتناع عن قراءة أي شيئا آخر.
 
لا اريد ان اجزم فربما كان اطلاعي محدودا بأني لم اسمع او أقرا سوآءا في المناهج التعليمية او في صفحات الجرائد او رفوف المكتبات ان كان هناك شيئا من تراثنا نقتدي به ونستلهم منه زادنا ومعارفنا. لم نتعلم قط عن الشخصيات الوطنية في تاريخ الجنوب العربي وماضينا السحيق الذي يعج بالأدباء والمفكرين والعلماء، وبترنا من تاريخنا الذي يمتد لسبعة الالاف عام ليبدأ يوم 26 سبتمبر 1962 م عندما ولد الكون وتفتقت براعم الحياة الأولى. سقنا في طوابير وحدانا وزرافات بكل اسف إلى حتفنا دون أي مقاومة وكانت الفاجعة.
 
انهارت قصور الأحلام وتحولت فئة السياسيين والقادة المخضرمين الجنوبيين الشموليين الى كتل هامدة سقطت عموديا عند اول هزّة. وما زلنا ننوء بعبء هذه الهزيمة المعنوية الخطيرة .. هزيمة لن نخلص منها ولن نخرج من محور دوامتها قبل ان نستفيق ونسترد وعينا. وياخوفي لو نحمل السلاح ونحن في حالة اللاوعي فسيكون نهاية ما تبقى من الأمل.
 
نعم توقفت عجلة الانهيار وبدأ النهوض لكننا مازلنا حتى اللحظة نرزح تحت وطأة تركة ثقيلة تعيق تقدمنا ولمن يريد ان يعرف عليه ان يتصفح المنتديات الكثيرة التي يرتادها الجنوبيون فهي مرآة وعينا.
 
لنا حق في ان نحمل السلاح ولنا ألف حق في ان ندافع عن أنفسنا ونموت من اجل حقنا وكرامتنا حتى ولو وصفونا بالإرهابيين فلن نعبأ بما يقولوا، المهم ان نحمل السلاح ونحن في حالة وعي.
 
لكننا مازلنا نصارع لنتخلص من الحمل الثقيل على كاهلنا فذلك الذي يديه ورجليه مكبلتان ستؤخذ من البندقية وسيقتل بها. التركة .. التركة رحم الله المبدع المسيبلي.
 
لماذا نحن ممزقون ولماذا ننادي حيا على الاستقلال في معركتنا مع بعضنا ... شارع يتحرك دون قيادة .. اقصد جسد ضخم يسير دون راس لا ندري إلى اين. هي الحقيقة التي إذا لم نعيها سنجني على أنفسنا كثيرا .. لا لوم .. لا تثريب. فجيل الشباب يتلمسون طريقهم عبر ذلك النفق الطويل المليء بالأشباح .. نفق ظل النظام الشمولي لعقود يزجّنا إليه حتى يغيب عنا النور.
 
في ظني ان اول وأخطر ما يعيق تحركنا في هذه النفق هو الحمل الثقيل على كواهلنا .. التركة. بقايا النظام السابق من شخوص وثقافة. وطالما وان الكثير منا مازال مكبلا بها فإننا لن نستطيع ان نتحرك في خطوات متناسقة وستظل صفوفنا متناثرة وغير مرصوصة سنتوه في النفق وربما ينتهي بنا الأمر في "صندوق وضاح" نموت هياما في عشق أم البنين.
 
لماذا نحن مختلفون ونحن لم نتحاور .. كيف عرفنا اننا مختلفون قبل ان نتحاور .. لماذا لا نستطيع ان نذهب الى الحوار مع أنفسنا ونحن ننشد الحوار مع غيرنا من أجل استرادا الوطن حتى وأن جاء ذلك بعد لعلعة الرشاشات ففي النهاية لابد من الحوار. من يعيق تقدمنا نحو الحوار الجنوبي الجنوبي !! بكل تأكيد هي التركة التي "قوّستنا" وطأطأت رؤوسنا. فلا سبيل لان نسير بخطى ثابته وبصفوف متراصة للخروج من النفق إلا بالتخلص من الحمل الثقيل لتنتصب قدودنا. وقبل ان نتمكن من ذلك علينا ان نعي ان الكثير منا مازال مكبلا ومازال مغيّبا ومازال البعض كل همه ومبلغ امله هو توحيد القيادة التي أصبحت جزءا من الماضي وجثة لا تقوي على السير او الحركة تعيق تقدمنا وتشتت صفوفنا.
 
لماذا تأخرنا رغم كل السنين المليئة بالتضحيات والكفاح. وفي ظني أننا سنظل هكذا دون نتيجة إذا لم نصحو من غينا، هذا إذا لم تتهيأ الظروف لأعدائنا فيتغلبوا على ضعفهم ونعود القهقري .. إذا لابد ان نبدأ .. فلا يكفي ما نحن فيه من عزم وتصميم .. بل لابد ان نأتي إلى مائدة الحوار الجنوبي نصقل فيه وعينا ونضع فيه خارطة لطريقنا قبل ان نسير دون وعي وقبل نقتل أنفسنا بالبندقية التي نحملها.
 
*قيادي في "تاج"
 
جنوبي عربي مقيم في بريطانيا
 
13.02.2013

ليست هناك تعليقات: