تحرير / محمد الزعوري
يقينا لم تمت ولكنك مضيت في درب الشهداء الأحياء
خلودا عند ربهم .. يرزقون في ملكوته المتناهي بجوار الصديقين والشهداء وحسن أولئك
رفيقا .. وها نحن وان تفرقت بنا سبل اللقاء على تراب هذا الوطن الذي رويت ترابه
بدمك فترقب لقائنا حيث أنت أرواحا تحلق وفاء لعشق وهيام جمعنا في ساحاته ذات يوم
.. نعم فللوفاء قصص وعناوين وحكايا لا يستوعبها إلا المخلصون للقيم والمبادئ ولا
يتذوقون حلاوتها إلا الشامخون في وجه الطغاة كالجبال
.
لم تمت ولكنك رحلت فينا رحلة الخلود لتتسع دائرة
بقاءك الأزلي في قلوب الملايين الذين مضوا بلا تردد على الدرب الذي رويته بدمك
الطاهر .. كنت حاضرا في موكب الكرامة الذي تخلق من قطرات دملك ومضى يحمل أنفاسك
وعشقك عزما ومبادئ لا يشق لها غبار .. ويوم رحلت جسدا تركت لنا قيمك التي تفجرت
ينابيع عطاء قهرت المستحيل وصنعت المجد تاريخا للإنسانية
الشهيد محمد سالم العامري الخليفي مع طفله في احدي مسيرات الحراك |
جميعا
.
أي جرم قد اقترفت وأي جنحة تلك التي تجيز لهم قتلك
.. لكنه الحقد الأعمى والفكر المشوه المقنع بلباس الدين جعل الجنوبي في عرف
القبيلة اليمني مجرم حتى تثبت إدانته.. تلك هي القاعدة الفقهية للمحتل مدعمة بفتوى
الدم والاستباحة لتدفع النفوس الموغلة حقدا لجنوده للقتل وإزهاق الأرواح في كل
بقاع الجنوب المحتل .. يكفي أن تحمل بيديك علم وطنك المحتل لكي يصدروا بحقك حكما
بالإعدام ، وسريعا وبلا مقدمات ينفذ الحكم .. كان هذا هو الجرم الذي أرتكبه الشهيد
الشاب محمد سالم العامري القيادي بالحركة الشبابية والطلابية في محافظة شبوه
وزميله الحبشي صبيحة الفاتح من يناير 2013م عندما تجرد جنود الاحتلال اليمني من
إنسانيتهم وتركوا لرصاص الحقد والموت تنهمر فتستقر جميعها في الأجساد الطاهرة دون
رحمة وبلا وازع من أخلاق او ضمير او دين .. تركوهم يتخبطون في دمائهم ولاذوا
بالفرار .
ولد الشهيد محمد سالم ناصر محسن طالب الكازمي
الخليفي في المملكة العربية السعودية في مدينة جده بتاريخ 25\3\1408 وتربى ونشاء
فيها مع أسرته التي تركت الوطن بحثا عن مصدر للرزق الذي عز لقاءه في الوطن المحتل
رغم أن الشهيد وأسرته ينتمون لبقعة من الجنوب تقع على بحر من النفط والغاز الذي
استأثر به أساطين الاحتلال وتوزعوه بينهم كغنيمة حرب منذ 7/7/1994م ، وفي صباه درس
الابتدائية في جده ، لكن حب الوطن والانتماء لهويته الجنوبية التي تلقاها وتشربها
من أسرته الكريمة المناضلة حركت في نفسه لواعج الشوق وحنين الأمنيات إلى ارض
الآباء والأجداد وبدلا من حياة الرفاهية هناك فضل الشهيد أن يتقاسم مع أهله شظف
العيش فيقرر الرجوع للقاء الأحبة فوق تراب الوطن الحبيب المستباح .. ومع الأيام
ينمو العامري وتنمو معه قيم الرجولة والشهامة ويزداد تعلقا بهموم الوطن وآلام أهله
التي لا تنتهي .. وتستمر الحياة ليواصل دراسته المتوسطة في منطقه خمر ، ثم يلتحق
بثانوية عتق عاصمة المحافظة ، ثم يتجه بعدها رجلاً يافعا الى العاصمة عدن ليتلقى
تعليمه الجامعي حيث أكمل في سنتان دبلوم إدارة أعمال .. كان الشهيد طالبا مثابرا
خلوقا هادئا متعاونا يشهد له كل مدرسيه وزملائه , والى جانب ذلك كانت روحه تفيض حبا
لعشقه الأكبر "الجنوب" ورغم صغر سنه التحق بالعمل السياسي في ثورة
الجنوب وحراكه السلمي وكان واحدا من الثوار الأفذاذ .. حيث وصفه رفاقه بأنه كان
يتحلى بروح قيادية مثابرة ومتيقظة .. وكان مخلصً للقيم والمبادئ التي سقط في
سبيلها الشهداء .. ولهذا تم انتخابه رئيس للحركة الشبابية والطلابية في مديرية عتق
بحضور ومباركه رئيس الحركة الشبابية والطلابية في الجنوب فادي جسن باعوم
وفي الفترة التي تحمل فيها الشهيد قيادة الحركة
الشبابية في عتق عاصمة المحافظة شبوة ارتقى بالعمل الشبابي والطلابي إلى المستوى
الذي لم يتوقعه احد من خلال النشاط القوي الذي تميز به عن غيرة من الشباب وكثيرا
ما كان يقضي جل وقته في تنظيم الفعاليات بشكل مستمر ولا يتوانى عن دفع كل مالديه
من مال ويقترضه أحيانا لتجهيزها.. ولا مجال للراحة عنده وارض الجنوب تحت الاحتلال
فكان الشهيد يسهر أيام وليالي في العاصمة عتق ليحظر مع رفاقه للمهرجانات الجنوبية
.. في ضل هجمة شرسة قادها الاحتلال اليمني وبقايا حزب الإصلاح التكفيري وبعض القوى
التقليدية التي تدين بالولاء للاحتلال اليمني هناك ضده وضد كل الناشطين الجنوبيين
في شبوه وخاصة مدينة عتق ، فخرج مع رفاقه منتصرا فأصبحت عتق بصمود رجالها الأبطال
قلعة الجنوب وحصنها المنيع وهو الأمر الذي جعله في دائرة الاحتلال كمطلوب أول
للاغتيال .
وفي الأيام الأخيرة لحياة الشهيد وهو يحظر
لمليونية التصالح والتسامح الجنوبي قام
باستئجار عدد من الباصات لنقل الطلاب لحضور
المسيرات وكان آخر مسيرة قام بقيادتها يوم الطالب الجنوبي قبل استشهاده بيوم
.
ومن مناقب الشهيد ومواقفه تجاه ثورة الجنوب وحراكه
المجيد هو إنه أقترض من معارفه مبلغ مالي كبير ليشتري به باص أطلق عليه اسم ( باص
الجنوب ) كان يستخدم لنقل الشباب من المديريات ليوصلهم إلى مكان إقامة الفعاليات بدون
مقابل كما انه نظم خلال ترؤسه لقيادة الحركة الشبابية والطلابية في عتق دوري كروي
بين مديريات شبوة وكان الشهيد هو من يدير ها .. ولهذا الدور البطولي والمميز.
وتضحياته ونشاطه القوي قامت قوات الأمن المركزي التابعة لقوات الاحتلال اليمني
وبتعليمات وتوجيهات عليا باغتيال الشهيد محمد العامري وهو يحتضن علم الجنوب في
السيارة التي كان يقودها زميلة ورفيق دربة الشهيد محمد الحبشي
.
ورغم كل الإغراءات والضغط الرهيب الذي مورس على
أسرة الشهيد فقد شيع يوم الثالث من يناير 2013م بموكب لم يسبق له مثيل من أمام
مستشفى عتق بعد الصلاة عليه ورفيقه الحبشي في ساحة مسجد عمر بن الخطاب وبعدها سار
موكب التشييع مشياً على الأقدام إلى جولة النصب على أطراف مدينة عتق ثم انطلق موكب
تشييع الشهيد الخليفي والجبشي كل إلى مسقط رأسه .. ويوم ذاك قال والد الشهيد بكل
فخر واعتزاز بابنه الشهيد " ابني لم يتزوج بعد ولكني اعتبر هذا اليوم بمثابة
يوم زفافه .. ونحتسبه شهيدا عند الله وإننا على دربه سائرون
"
وقالت وسائل إعلام محلية وعالمية إن تشييع
الشهيدين هو الأكبر في تاريخ شبوة حيث امتدت الجماهير من مسجد عمر وغطت شارعي
الخليج و تحرك موكب التشييع المكون من رتل من السيارات قدر بأربعة كيلومترت طولا
باتجاه خمر جنوب شرق عتق وخمسة عشر كيلومتر نحو مسقط رأس الشهيد العامري لدفن
جثمانه الطاهرة في مقبرة خمر ، وفي الاتجاه الآخر غربا من مدينة عتق تحرك موكب آخر
امتد على طول الطريق بكيلومترات عديدة إلى مدينة نصاب 40 كيلومتر غرب عتق والى
قرية عبدان لدفن الشهيد محمد الحبشي في مسقط رأسه قرية وادي عبدان
.
وفي أروع معاني الوفاء ونبل الأخلاق الجنوبية
وشهامة الرجال وصدق التضحيات
وجه والد الشهيد نداء للمنظمات الدولية ومنظمات
حقوق الإنسان ولكل دول العالم أن يتقوا الله في شعب الجنوب وأن لا يضيعوا حق
شهداءه , وطالب بعدم ضم ملف الجنوب مع ملف الشمال حتى لا تضيع قرارات محكمة
الجنايات الدولية والأمم المتحدة رقمي (924-931 ) وأضاف : ( صحيح أن جميع أفراد
أسرتنا وأصدقائه وجيرانه حزينون جدا عليه لكن هذا قضاء الله وقدره ونقول الحمد لله
على ما أراد وقدر ) .وفي اتصالات تلقاها من الرئيس البيض والزعيم باعوم وقيادات
الحراك عند تقديم العزاء له قال والد الشهيد : ( أنا لا اقبل العزاء في والدي لأنه
شهيد الجنوب
مضيفا ( إن إبني ضحى بحياته وهو يرفع علم الجنوب
.. وهو فداء للجنوب وشأنه شأن أي شهيد أَستشهد من أجل الجنوب , وهذه ضريبة الحرية
والاستقلال التي يدفعها أبناء الجنوب الأحرار من خيرة شبابها وأبطالها
).
وختم رسالته بنداء للقيادات الجنوبية في الداخل
والخارج أن يوحدوا صفوفهم وأن ينظروا للشهداء والجرحى بعين الاعتبار وتمنى من الله
أن ينال الجنوب استقلاله اليوم قبل غدا
.
ودعاء كل شعب الجنوب وقيادته إلى إعلان التصالح
والتسامح الحقيقي في ذكرى التصالح والتسامح والحشد المليوني في العاصمة عدن وان
شاء لله سيكون أول الحاضرين .
تمضي الأيام وتفنى الأعمار وتتبدد المشاعر في فضاء
التقلبات لكن شيئا واحدا يبقى في وجه الدهر لا يحول ولا يزول هو الموقف وان ذهبت
أرواحنا ضريبة له ليبقى
منهل المجاهدين الصابرين عشاق المجد والحرية حتى
الأزل .. لقد كنت جبلا صلدا أمام الأقزام وستبقى جبلا تتعلم منك الأجيال قيم السمو
وشموخ الثوار في الجنوب المحتل إلى أن يرث الله الأرض ( من المؤمنين رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) صدق الله
العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق